مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2015/03/27 18:38
تحالف إقليمي لمواجهة تمدد إيران؟

يصر الإعلام الإيراني على نشر صور قاسم سليماني "قائد فيلق القدس" وهو يتنقل بين الجبهات من تكريت إلى درعا وبيروت، في طريقة استعراضية لم يعد خافيا الهدف من ورائها، وهو إرسال رسالة لأصحاب الشأن من القوى الإقليمية والدولية بأن ذراع إيران الضاربة باتت تطوق المنطقة وتخضعها بالكامل.

وما دامت الصورة خير من ألف كلمة -حسب المثل الصيني- فإن صور قاسم سليماني هي كناية عن تطويب (منح) الساحات في ملكية المشروع الإيراني وإعلان طهران أن الأرض التي يقف عليها سليماني والحدود التي يصل إليها مدى منظاره صارت اختصاصا إيرانيا صرفا.

هل ثمة مبالغة في تفسير مضامين الرسالة الإيرانية؟ ربما يكون الواقع أكثر قسوة من ذلك بكثير، فالأرض التي وطأتها القدم الإيرانية في العراق وسوريا أفرغت تماما من سكانها وبحجة تحريرها من معارضي المشروع الإيراني يحرم على أهلها العودة إلى ديارهم.
 

"هناك تحركات تدور في المنطقة يستشف منها محاولة لتأسيس تحالف مواجه لإيران الهدف منه تخفيف منسوب ودرجة الأضرار التي أحدثتها في الإقليم بعد سنوات طويلة من هجوم اتخذ في البداية أسلوب سياسات ناعمة ما لبث أن تحول إلى نمط من السياسات الهجومية الكاسحة"

في جنوب دمشق جرى تهجير سكان مناطق واسعة بجوار مدينة السيدة زينب، وقبلها من القصير والقلمون، والآن يجري الأمر في أرياف درعا والقنيطرة الشمالية، ويجري كذلك بكثافة في الرمادي وصلاح الدين، حتى أن مدنا شقيقة في العراق ترفض استقبال أبناء تلك المناطق فيما يبدو أنها عملية دفع لخارج العراق نهائيا.

أما البنى والهياكل السياسية في سوريا والعراق فقد انتهت إلى سلطات محلية تحت إشراف القيادة الإيرانية، أو جزء من منظومة إقليمية ذات اختصاصات وصلاحيات محددة يتم الإشراف عليها وتسييرها وفق خطة مركزية تصدرها طهران.

أمام هذا المشهد، ثمة تحركات دبلوماسية تدور في المنطقة يستشف منها محاولة لتأسيس تحالف مواجه لإيران الهدف منه تخفيف منسوب ودرجة الأضرار التي أحدثتها في الإقليم بعد سنوات طويلة من هجوم اتخذ في البداية أسلوب سياسات ناعمة ما لبث أن تحول إلى نمط من السياسات الهجومية الكاسحة.

لم يعلن حتى اللحظة بشكل صريح عن النية في إنشاء هذا التحالف، ربما لأن إعلانه يحتاج إلى تسويات وترتيبات معينة بين أطرافه، وربما انتظار لما ستؤول إليه التطورات وخاصة مضامين ومآلات الاتفاق النووي المزمع عقده بين واشنطن وطهران، لكن ما يتم استخلاصه من الحركة الإقليمية أن أوراق اعتماد هذا التحالف جرى تقديمها وهو في طور استمزاج الأطراف المدعوة له وتفحص مواقف القوى الفاعلة في العالم ومدى دعمها أو اعتراضها على اعتبار أن التحالف سيكون له تداعيات على الأمن العالمي، فيما الطرف الأميركي مشغول كلية بإنجاز الاتفاق النووي.

غير أن ثمة أسئلة لا بد من طرحها، بعيدا عن الرغبة في إنشاء هذا التحالف ومدى المصلحة المتحققة منه للكيانات والمكونات المتأثرة من التدخل الإيراني، ذلك أن شعوب المنطقة وبالنظر للواقع المأساوي الذي تعيشه وبالنظر للخيبات التي راكمتها من الوعود المهدورة عن مناصرة حقها في الحياة وحمايتها من الموت المسلط عليها، لم تعد لديها القدرة على ضمان أكثر من خيمتها التي تتظلل تحتها، وبالتالي فإن هذا التحرك صوب إنشاء التحالف مطلوب منه الإجابة عن ما يلي:

أولا: ما هو الإطار الذي سينضوي تحته العمل في هذا الحلف، هل هو تشكيل إقليمي محدد المؤسسات والآليات، بمعنى أنه إعادة صياغة للنظام الإقليمي بما يتطلب إلغاء النظام القديم وإعلان موته نتيجة انتهاء فعاليته وبالتالي تشكيل بديل مختلف على أسس واعتبارات جديدة؟ أم مجرد تحالف لتحقيق أهداف محددة ذات طابع عسكري وينتهي بانتهاء المهمة المكلف بها، وإذا لم يكن هذا وذاك فهل الحراك الحاصل بالخصوص كان لمجرد التأكيد على رفض ممارسات إيران وتجديد المعارضة لمشروعها؟

طرح هذه الأسئلة يأتي نتيجة الخبرة في العمل الإقليمي تجاه الأزمة السورية، ذلك أن كل الأطراف التي من الممكن أن تذهب إلى تأسيس الحلف المنشود كانت منخرطة بطريقة أو أخرى في الأزمة السورية لكن بشكل فوضوي افتقد للتنسيق وللرؤية وللإستراتيجية الموحدة لذلك لم يثمر جهدها نتائج إيجابية على الأرض، بل إنه في التقدير المحايد كثيرا ما جاءت نتائجه عكسية ومضرة، رغم الجهود والأموال الكبيرة التي تم صرفها، وإذا لم يكن هناك تنسيق وقيادة فاعلة وموحدة لمثل هذا التحالف فإنه لن يكون سوى إطار لتصريف الغضب تجاه إيران بطريقة عشوائية.

والواقع أن تجربة إيرن كانت أكثر نجاحا على الصعيد العملياتي وذلك عبر التنسيق والضبط والإدارة الموحدة لمسرح العمليات، يكفي أنها استطاعت حتى اللحظة تثبيت بشار الأسد كواجهة للحكم في سوريا، بل انتقلت إلى مرحلة الهجوم عبر قيادتها للعمليات في درعا وحلب.

ثانيا: ما هي آليات هذا التحالف وأدواته، هل ستكون على نمط آليات التحالف الدولي ضد داعش، بمعنى أن يكون له هيكل عسكري وتشكيلات تنفيذية وكيف يمكن التعامل مع التشكيلات الإيرانية؟ من المعلوم أن لإيران جيوشا حقيقية عاملة على الأرض في سوريا، لها مسميات عديدة وتنتشر في غالبية الجغرافية السورية، ومواجهة إيران تعني تفكيك هذه الجيوش وانكفاءها عن الأرض السورية نهائيا، بالرغم من أن بعض التقديرات تذهب إلى أن عدد هذه الجيوش يبلغ عشرات الآلاف، ما يعني أن مواجهتها تتطلب جيوشا مكافئة في العدد والتسليح.
 

"يبدو أن التاريخ يكرر نفسه بطريقة صادمة، حيث تمثل إيران هنا القوة التي تسعى إلى إعادة صياغة المنطقة بما يتفق ورؤيتها وأيديولوجية النظام الحاكم فيها، وتتخذ هذه الصياغة منهجا عنيفا وصل حد الإبادة والتطهير العرقي في مناطق كثيرة من سوريا والعراق"

وقد جرى بناء هذه التشكيلات الإيرانية على مدار زمني مريح وتمت موضعتها في مسرح العمليات بطريقة أقرب إلى الحقن، ما يعني أن استئصالها يحتاج لعمليات جراحية معقدة، وليس عمليات سطحية سريعة، وبالتالي فإننا نكون أمام مواجهة قد ينتج عنها تدمير سوريا بشكل نهائي وخاصة أن أغلب التشكيلات الإيرانية تتواجد في المدن الرئيسية وفي مناطق الكثافة السكانية العالية، فهل التحالف المنوي تأسيسه قادر على خوض هذه المغامرة؟

ثمة بديل قد يكون أجدى وأقل ضررا وهو مواجهة رأس المشروع بشكل مباشر الأمر الذي سينتج بشكل أوتوماتيكي انكفاء أذرعها وتراجعها في سوريا وربما في العراق، لكن ذلك يعني مواجهة إقليمية مباشرة وواسعة، فهل الأطراف مستعدة لهذا الاحتمال؟

ثالثا: ما هو التبرير السياسي والأمني الذي سيتأسس عليه هذا التحالف؟ هل سيكون تحت شعار مبدأ الحماية الإنسانية بتطبيقات إقليمية ودون الرجوع إلى مؤسسات النظام الدولي كمجلس الأمن، في هذه الحالة ما هو مدى التنسيق بين القوى الإقليمية المنخرطة في التحالف وبين القوى الوازنة في النظام الدولي، أقله لضمان وجود شبكة حماية دولية تحميها من ردات فعل القوى الدولية المؤيدة لنظام الأسد، أم إن التحالف سيتم تبريره استنادا إلى حماية الاستقرار الإقليمي وخاصة أن هذا الاستقرار بات على شفير هاوية الانهيار، وأن دولا عدة في الإقليم باتت على بعد خطوات من حدوث تحولات قاسية بداخلها نتيجة حالة الفوضى الإقليمية التي تسببت بها إيران، أم سيرتكز على قاعدة حماية الأمن الوطني لكل دولة بعد أن صارت إيران تهدد أمن هذه الدول بأسلوب فج لا يخلو من التحدي المعلن؟

من واقع الخبرة الدولية في تأسيس تحالفات القوة الإقليمية والعالمية في مواجهة المخاطر أنها ارتكزت بالدرجة الأولى على الإرادة السياسية لأطرافها، ذلك أن أغلب التحالفات التي شهدها التاريخ، وخاصة المعاصر منها، التحالف ضد نابليون في أوروبا وضد النازية كانت استجابة للتحديات التي طرحتها هذه الأطراف في وجه أوروبا، فيما يخص مسائل جوهرية تتعلق بمصيرها وهويتها ونمط عيشها، وبالتالي كانت أحلاف ضرورة وحالة إكراهية، وثبت أن التأخر في إنشاء تلك الأحلاف كان عاملا سلبيا زاد من حدة الخسائر في العمران والأرواح.

وفي الشرق الأوسط يبدو أن التاريخ يكرر نفسه بطريقة صادمة، حيث تمثل إيران هنا القوة التي تسعى إلى إعادة صياغة المنطقة بما يتفق ورؤيتها وأيديولوجية النظام الحاكم فيها، وتتخذ هذه الصياغة منهجا عنيفا وصل حد الإبادة والتطهير العرقي في مناطق كثيرة من سوريا والعراق، وبالتالي لم يعد هناك من داع للمواربة في الاستجابة للتحدي الذي يطرحه قاسم سليماني على المنطقة وهو يوقع صوره بشعار" جئتكم بالإخضاع أو التهجير والذبح".

المصدر : الجزيرة

أضافة تعليق